هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  سلسلةالجوهر النفيس شرح مصطلح الحديث

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
abdel
Admin
Admin
abdel


عدد المساهمات : 513
تاريخ التسجيل : 15/03/2013
العمر : 40

 سلسلةالجوهر النفيس شرح مصطلح الحديث Empty
مُساهمةموضوع: سلسلةالجوهر النفيس شرح مصطلح الحديث    سلسلةالجوهر النفيس شرح مصطلح الحديث Bbb10الإثنين مارس 25, 2013 8:21 pm

ان الحمد لله ، نحمده و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله
من شرور انفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له
و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا
عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من تبعهم
بإحسان الى يوم الديـــن ، أما بعد ...
أهـــلا بكـم أحبائنا زوار و رواد و اعضاء منتدى الحديث والسيرة النبوية



الجوهر النفيس شرح مصطلح الحديث (5)



إنَّ الحمدَ لله، نحمَده ونَستعينه ونستغفِره، ونعوذُ بالله مِن شُرورِ أنفسنا ومِن سيِّئات أعمالِنا، مَن يَهدِه الله فهو المهتد، ومَن يضللْ فلن يجدَ له وليًّا مرشدًا، وصلِّ اللهم على سيِّدنا محمَّد، وعلى آله وصحْبه وسلِّم.




ثم أما بعد:

فنبدأ درسَنا اليوم بسؤال: هل مِن الأفضل أن أقول على الرَّاوي: إنَّه عدلٌ ضابط، أم يكفيني أن أقول: ثقة؟

الإجابة: الأفضل أن نقول: عدلٌ ضابِط؛ لأنَّه قد يكون ثِقة وليس بضابط، فبعضُ العلماء يُطلِقون الثقةَ على العدالة فقط (الدِّين)، وأنَّه تقيٌّ، ولكن لا يُطلقونها على الضبط، وهذا كان مصطلحًا خاصًّا بابنِ معين، فهوكان شديدًا في ألفاظ الجرْح والتعديل، وكان مِن أئمَّة الجرْح والتعديل، ولكن عُرِف عنه أنَّهإذا قال: فلان ثِقة، فلا بدَّ وأن نبحثَ في ضبط هذا الرجل؛ لأنَّ ابن معين عندما يقول: (ثقة)، فإنَّه يقصِد العدالة، إذًا مِن الأفضل عندما يتكلَّم طالِبُ العلم على رَاوٍ أن يقول: عدل ضابط لأنَّ كلمة ثِقة وردَتْ عن بعض الأئمَّة أنَّه يُطلِقها على النِّصف الأوَّل ألا وهو العَدالة، فلكي تخرُج مِن هذا المأزق نفسِّر ونقول: عدلٌ ضابط.




سؤال آخَر: هل مِن الأفضل أن أقول في تعريف الحديث الصحيح: مِن غير شذوذ ولا عِلة، أم أنَّ أقول: ألا يكون الحديث شاذًّا وألاَّ يكون مُعلَّلاً؟

الإجابة: الأفضل حتى أكون دقيقًا في التعريف أنأقول: ألاَّ يكون الحديثُ شاذًّا وألا يكون معلَّلاً، لماذا؟ لأنَّ العلماء قالوا: إنَّ قيد (مِن غير شذوذ ولا علَّة) يشمَل العِلَّة القادحة والعِلة غيرَ القادِحة؛ لأنَّه - وكما هو معلوم في عِلم الأصول - أنَّ النكرة في سِياق النفي تُفيد العموم، ونحن في عِلم الحديثِ نَتكلَّم على العلَّة القادِحة فقط، إذًا تعريف الحديث الصحيح بقيد مِن غيرشذوذ ولا عِلَّة - شَمِل العلَّة غير القادِحة، التي لا تُؤثِّر في صحة الحديث، ولكن عندما أقول: ألا يكون الحديثُ شاذًّا وألاَّيكون معلَّلاً، إذًا العلَّة صبغتِ الحديث بصِبغة،فأصبح الحديثُ معلولاً، ولا يكون الحديثُ معلولاً إلا إذا كانتِ العِلَّة قادِحة، فاللفظُ الصواب أنْ أقول: ألاَّ يكون الحديثُ شاذًّا وألاَّيكون مُعللاً؛ حتى لا تدخُلمعي العلَّة غير القادِحة، وهذا سنَعرِفه من تعريف العلَّة، وأنها سببٌ خفي يَقدَح في صحَّة الحديث، معأنَّ الظاهرَ السلامة منها، إذًا العلَّة لا بدَّ أن تكونَ قادحة.




الشرط الرابع مِن شروطِ صحَّة الحديث: انتفاء الشُّذوذ:

س: ما هو تعريفُ الشذوذ؟

للشذوذ تَعاريف كثيرةٌ، وسنتكلَّم عن هذه التعارِيف.

فأوَّل هذه التعارِيف هو: مخالَفة الثِّقة للأوثق (وهذا التعريفُ ناقصٌ؛ لأنَّ درجةَ الثقة كبيرة إلى حدِّ أنَّها ستترك الصدوقَ الذي حديثُه مِنْ قبيل الحسَن، وحديثه مقبول أيضًا، فلكي يَدخُل معي في هذه المرتَبة مَنْ حديثه مِنْ قبيل الحسَن؛ نأتي بلفظٍ يشمل الصدوقَ أيضًا، وهذا اللفظ هو: المقبول، ولو تَذكَّرْنا شجرة الحديث، فمنها المقبول، وكان مِن ضمن أقسامِه الحسَن، فإذا قلنا: إنَّ تعريفَ الشاذِّ هو مخالفة الثِّقة لمن هو أوثقُ منه، فبهذا نكون تركْنا جزءًا مِن الحديث المقبول، ألاَ وهو الحديث الحسَن، إذًا لا بدَّ أن نُدْخِل كلمةً تشملُ الراوي الذي يكون في أعْلى درجات القَبول (الثِّقة)،وتشمل أيضًا الرَّاوي الذي يكون حديثُه في أدْنى درجاتِ القَبول (الحسن)، وهذه الكلمة هي المقبول.




وعليه؛ فإنَّ التعريف الصواب هو: مخالفة المقبول لمن هو أوْلَى منه؛ أي: عندما يُخالف أحدٌ أحدًا نرَى مَنْ الأوثقُ ومَنْ الأقل، ويكون الأوثقُ هو الصوابَ، والأقل في الثِّقة يكون حديثه شاذًّا.




هناك تعريفٌ آخَر للشاذِّ، وهو تعريفٌ مهم لابدَّ مِن معرفته:

تَكلَّم بعضُ العلماء على أنَّ الشاذَّ والمنكر هما مطلَق التفرُّد، مثلاً: إذا وجدْت أيَّ إنسان تفرَّد بحديثٍ، فحديثه يكون مِن قبيلالشاذِّ أو المنكَر، هذا الكلام ورَد عن بعضِ الأئمَّة، ولكنَّه مقيَّد بفِعلهم العمَلي في التطبيق، فهُم لم يَردُّوا الحديثَ لمجرَّد التفرد، ولكن ردُّوا التفرُّدَ المقترِن بقرينةٍ تدلُّ على النَّكارة، إذًا مجرَّد التفرد ليس عِلَّة في حدِّ ذاته، ولكن لا بدَّ أنيكونَ التفرُّد مقرونًا بقرينة تدلُّ على الشذوذِ أو النَّكارة.




وما الدليل؟

الدليل هو: حديث ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّات))، فيه تفرُّدٌ في أربع طَبقات، ولم يتكلَّم فيه أحدٌ مِن العُلماء - إذًا مطلَق التفرُّد ليس علَّةً في حدِّ ذاته، ولكن إنْ وُجِدت قرينةٌ أخرى تدلُّ على الخطأ، فنقول على هذا التفرد: إنَّه شاذٌّ أو منكَر.




الأمر الثاني: لفظُ الحديث الشاذِّ عندَ الأئمَّة المتقدِّمين قليل جدًّا، مثلاً إذارجعْت لكتُب الأئمَّة، مِثل "العلل" للدارقطني، و"العلل الكبير" للترمذي، و"علل الإمام أحمد"، والكتُب التي تَتحدَّث عن صحَّة الحديثِ وضعْفه، فإذا حصرْت هذه الكتُب ممكن مثلاً لا تخرُج منها بكلمة شاذ، إلاَّ في خمْسة أحاديث، ولكنَّك على العكسِ مِن ذلك تجِد لفظ الحديث المنكَر كثيرًا، ولكن لفظ الشاذ إنَّما ظهَر بكثرةٍ عندَ الأئمَّة المتأخرين، أما عندَ الأئمَّة المتقدِّمين فكان قليلاً، وإنَّما كانوا يُعبِّرون عنه بالمنكَر؛ أي: أن يَحكُموا على الحديث بالشذوذ لا تَجِده كثيرًا، ولكن يقولون عليه: منكر، والأئمَّة المتقدِّمون كانوا لا يُفرِّقون بيْن المنكَروالشاذ، إذًا عندما نَتكلَّم عنِ المنكَر، يمكن تقول عليه: شاذٌّ، وتقول على الشاذ: منكرٌ، وسنتكلَّم عن معنى المنكَر مع أنَّه مبحَث سابِق لأوانِه، ولكن كما قال الشيخُ ابن عثيمين: "إذا وردتْ لفظةٌ في باب وليس موضعها، لا بدَّمِن تَعريفِها للطالب؛ حتى لا تمرّ على الطالِب الفائدة".




تعريف المنكَر: هو مُطلَق التفرُّد المقترِن بقرينةٍ تدلُّ على الخطأ (وهو نفْس تعريفِ الشاذ)، ولكن بعض العُلماء فرَّقوا، فقالوا:

• الشاذ: مُخالَفة المقبول لِمَن هو أوْلى منه.




• والمنكَر: هو مخالفة الضعيف لِمَن هو أوْلى منه.




قلت: إنَّ مخالفة أيِّ إنسان لِمَن هو أوْلى منه يصلح أن أقول عليه: شاذٌّ، ويصلح أن أقول عليه: منكرٌ؛ لأنَّ الشاذ = المنكر = الخطأ، فما دمْت خالفت الأفضلَ، فحديثُك هذا يصحُّ أن تقول عليه: شاذٌّ، ويصحُّ أن تقول عليه: منكَر، والأفضل أن تقول: مُنكَر، تقيدًا بأئمَّة هذا الشأن.




◄ تعريفٌ آخَر مهم للمنكر:

تفرُّد مَن لا يحتمل حالَه التفرُّد والمخالَفة بمِثل هذه الرِّواية.




لاحِظ أنَّ هذا التعريفَ به ثلاثة قيود:

1- التفرُّد.

2- المخالَفة.

3- بمِثل هذه الرِّواية.




1- التفرُّد: فلا بدَّ أنْ تلاحِظَ في التعريف قولَه: بمِثل هذه الرِّواية، وكأنَّه يريد أن يقول لك: ليس كل تفرُّد مردودًا، ولكن التفرُّد المردود هو التفرُّد برِواية تحتفُّ بأمورٍ تجعل التفرُّدَ بها منكرًا؛ أي: إنَّ حالك لا يَحتمل أنْ تخالِف أو تتفرَّد بحديثٍ فيه أمرٌ تعمُّ به البلوى والهِمم تتداعَى على نقْله (هاتان قرينتان تجعل التفرُّد بالرواية منكرًا).




مثال: أنت مِن أئمَّة الحديث، ولكن مستواك في الحِفظ في درجة الحسن (أي درجة أقل قليلاً مِن درجة الثِّقة)، ففي هذه الحالة لو تَفرَّدتَ بحديث فيه أمرٌ تعمُّ به ا البلوى والهِمم تتداعَى على نقْله (كصلاة التسابيح)، نقول على تفرُّدك هذا: تفرُّد مُنكَر؛ لماذا؟




لأنَّه احتفَّ بثلاث قرائن تدلُّ على أنَّك أخطأت:

القرينة الأولى: أنَّ حالك لا يَسْمح بالتفرُّد بمِثل هذه الرِّواية، فأين كان فلانٌ وفلان؟ حيثُ كان العلماء يُحَاسِبُونَ مَن تفرَّد بحديثٍ ما، فيقولون لهذا المُتفرِّد: أين كان فلان، وأين كان فلان، وأين كان فلان؛ لكي تتفرَّد أنتَ بهذا الأمْر؟!




بصيغة أخرى: عندما يأتي راوٍ أقلُّ فيالدرجة مِن أئمَّة عصره ويتفرَّد بسُنَّة عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يأخذها عنْ إمام مُكْثِر، مثلاً يأخذ الحديثَ عنِ الأعمش، فنقول له: أين كان أصحابُ الأعْمَش لكي تتفرَّد أنت بسُنَّة عنِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحالك هو أقل دَرَجات القَبول؟ إذًا وُجِدَت قرينة هي: حالك لا يَحتمِل التفرُّد بمِثل هذه الرِّواية.




القَرينة الثانية: أنَّك تفرَّدت عنِ الأعمش، وهو إمام مُكْثِر، كان الأئمَّة يَلهَثون خلْفه؛ لكي يأخذون منه الحديث، فإذًا كيف لك وأنت مُستواك في الحِفظ والإتْقان أقل، ثُم تتفرَّد عمَّنْ يلهَثالناسُ وراءَه؟ فبذلك لم نَحكُم عليه بالنَّكارة لمجرَّد أنَّ فلانًا هذا تفرَّد بالحديث، ولكن لأن:

1- حاله أقلُّ حالاً.




2- ولأنَّه تفرَّد عن إمام مكثِر يَسعَى الناسُ إلى حديثه.




القرينة الثالثة: أنَّك تفرَّدت بأمْرٍ تعمُّ به البلوى، ولكن إذا تفرَّدتَ بأمر معلومٍ مِن الدِّين بالضرورة، مِثل النيَّات؛ حيثُ إنَّ كلَّ الشَّرْع يأمر بالنيَّات، فلا مُشكلةَ في التفرُّد بمِثل هذا؛ لذلك قُبل حديثُ: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّات)) رغمَ أنَّ فيه رواةً في مرتبة الحسن وتفرَّدوا به؛ لأنَّه ارتبط بأمر لا تعمُّ به البلوى (معلوم مِن الدِّين بالضرورة)، فمثلاً إنْ كان حديثُ ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّات)) ليس موجودًا، فلا بدَّ لأيِّ عملٍ مِن نية حتى يصحَّ هذا العمل؛ لأنَّالقرآن فيه آياتٌ تدلُّ على رُكنيَّة النيَّة ، إذًا هي مسألة لا تعمُّ بها البلوى؛ أي: معلومة لدَى الجميع.




مثال للأمور التي تعمُّ بها البلوى: صلاة التسابيح، حيث إنَّ الحافظَ ابن حجر ضعَّفالحديث؛ لماذا؟ لأنَّ راويًا اسمه عبدالعزيز حالُه في مرتبةِ الحسن، والحديث شديدالفرديَّة؛ أي: لم يرِدْ عن غيره، وصِفتُه غريبة عن جميعِ صِفات الصَّلوات، إذًا مِن أين أتَى به عبدُالعزيز؟ ليس معنى هذا أنَّ الحديث ضعيفٌ، لا، فالشيخُ الألبانيُّ- رحمه الله تعالى - قد صحَّحه، ولكن نقول لك: انظر كيف نقَد الحافظُ ابن حجر الحديثَ، ولماذا ضعَّفه وقال: إنَّه منكر؟

1- لأنَّ الراوي حالُه متوسِّط لا يحتمل التفرُّد بمِثل هذه الرِّواية.




2- أنَّه انفرَد بأمرٍتعمُّ به البلوى.




3- انفرد بأمرٍ تتداعى الهِممُ على نقْله، فهي صلاةٌ غريبةٌ في صِفتها عن جميعِ صِفات الصلوات.




أي: إنَّ الحافظَ ابن حجر يُريد أن يقول: إنَّ هذه الصلاة لو كان صلاَّها النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لكان كثيرٌ مِن الصحابة نقَلَها؛ لأنَّها صِفة جديدة علينا، فَضَعَّفَ الحديث؛ لأنَّ الراوي حاله متوسِّط، وتفرَّد بأمرتعمُّ به البلوى، وتتداعى الهِممُ على نقْله.




2- المخالفة:

أ- قدْ تكون المخالفةُ خاصَّةً بصِفة الرَّاوي مِن حيث الحفظُ والتثبتُ: فمثلاً راوٍ حاله متوسِّط من حيثُ الحفظُ، ثم خالف إمامًا مِن أئمَّة الحفظ مِثل يحيى بن سَعيد القطَّان، أو مالك أو شُعْبة أو غيرهم، فهل يصحُّ هذا؟ لا يجوز لك أن تخالفَ مِثل هؤلاءِ العلماء؛ لأنَّهم أئمَّةٌ في الحِفظ، وهم أئمَّة هذا الشأن، بل ومؤسِّسوه.




ب- وقد تكون المخالفةُ خاصَّةً بالعَدَد؛ أي: راوٍ واحِد يُخالف مجموعة (مثلاً ثِقة يُخالِف مجموعةً مِن الثِّقات)، أو عدَد قَليل يُخالِف عددًا كثيرًا، فيُقدَّم العَددُ الكثير على القليل.




سؤال أحد الإخوة: مِن الممكن أنَّ هذا الحديثَ الشاذَّ أو المنكَر لم يأخذْه مِن العالم غير هذا الرَّاوي؟

كلِمة ممكِن هذه لا تَصلُح؛ لأنَّهبهذا التعليل يفْتَح المجال لمن أراد أنْ يُصحِّح الأحاديثَ كلَّها سوف يُصحِّحها، ومَن أراد أن يُضعِّفها سوف يُضعِّفها، إذ إنَّ تحتَ (ممكِن) كل شيء ممكِن، فمثلاً الرَّاوي الضعيف الذي أُضَعِّف حديثه، من الممكِن أن تقول: إنَّهحفِظ هذا الحديث، ولكن سنُحاكمه بقاعدة أنَّ النادِر ليس له حُكم، فأنتَتقول: ممكن، وكَلِمة (ممكِن) هذه على التَّقليل، إذًا هذا أمر نادِر فليس له الحُكم، فنَحكُم على الرَّاوي بالغالب، والغالبأنَّ هذا الراوي لم يسمعْ هذا الحديثَ وحْدَه.




سؤال آخَر لأحدِ الإخوة: مخالفةُ الثقة لأحدٍ مِن الثقات؛ ماذا يكون حديثه؟

ج: حديثُه يكون شاذًّا أو منكرًا، فما معنى مخالفةِ الثِّقة للثِّقات، (وهذا تعريفُ الشاذِّ عند البعض)؟ إنَّه - أي: الثِّقةَ الذي خالَف الثِّقات - أخْطأ، وما معنَى مخالفةِ الضعيف للثِّقاتِ (وهذا تعريفُ المنكَر عندَ البعض)؟ أنَّ الضعيف أخطأ، فخَطأُ الثِّقة هل يُساوي خطأ الضعيف؟ نعَمْ يساويه.




ولكي نُريحكم في هذا المبحَث، فالشاذُّ بمعنَى الخطأ، والمنكَر بمعنى الخطَأ، إذًا هل يتساويان؟ نعم يتساويان؛ لأنَّ الخطأ لا يتعدَّد، وعليه يصحُّ أن تقول على الشاذِّ: منكَرٌ، ويصحُّ أن تقول على المنكر: شاذٌّ، والأفضل أن تقول: منكَر؛ لأنَّ غالبَ الأئمَّة المتقدِّمين على هذا اللفظ.




تنبيه:

إذا استخدمْت الشاذ على المعنى الذي هو مُخالَفةُ الثِّقة للأوثق، أو مخالفة المقبول للأَولَى، وإذا استخدمْت المنكَر على المعنى الذي هو مخالفةُ الضعيف للثِّقة، فلك سلفٌ في هذا مِثل الحافِظ ابن حجر والسيوطي، والخطيب البغداديّ وابن الصلاح، وغيرهم؛ أي: الأئمَّة بعدَ سَنَة 400هجرية تقريبًا، لكن الأئمَّة الذين كانوا في فترةِ الرِّواية مثلاً مِن سَنة 100 لسنة 385، إلىالدارقطني، فكلُّ هؤلاء في غالب أمرِهم كانوا يستخدمون الشاذَّ والمنكَر بمعنى واحد، (تفرُّد مَن لا يحتمل حالُه التفرُّد والمخالَفة بمِثل هذه الرِّواية = مطلق التفرُّد المقترِن بقرينة تدلُّ على الخطأ)، بلإنَّهم كانوا يُعبِّرون عن هذا المعنَى بالمُنكَر بصورةٍ أكثر.




سؤال مهمٌّ جدًّا: لماذا اشترط الأئمَّة المحدِّثون انتفاءَ الشذوذ على الرَّغْم مِن أنَّ الشذوذَ مِن أنواع العِلل؟ فهذا نوعٌ مِن التَّكرار، ألَيْس كذلك؟

◄ نقول - وبالله التوفيق -: هذا كلامٌ غير صحيح، فانتفاء الشذوذ لا بدَّ مِن ذِكْره...لماذا؟
لأنَّ الفُقهاءَ لا يَعتبرون الشذوذَ عِلَّة، فيَجب التنبيهُ على أنَّ الشذوذَ عندَالمحدِّثين عِلَّة؛ لكي لا نَسير خلفَ طريقةِ الفقهاء (عندما يأتي ثِقة ويَنفرِد بحديث، وتكونهناك قرائنُ دالَّة على خطئِه يقول الفقهاء: إنَّه ثِقة، وحديثُه صحيح).




الدليل: العلماء توقَّفوا فيكلمةِ مالك في زَكاةِ الفِطر في الحديث: إنَّها صاع مِن كذا وكذا، وزاد الإمام "من المسلمين"، العلماء قالوا: لم نُصحِّحها إلاَّ بعدَ ورُودها عن غير مالك، وهذا الإمامُ مالكٌ نفسُه؛ لماذا فعلوا هذا؟ لأنَّ العالِم أتتْ عندَه القرائن التي تدلُّ على أنَّ مالكًا أخطأ، فكلُّ مَن رَوى الحديثَ رواه مِن غير كلمة "مِن المسلمين"، ثم أتى مالك ورَواها بهذا، فهذه قرينةٌ تدلُّ على الخطأ، فلم يُصحِّحوا الروايةَ إلا بعدأنْ أتَى من وافق مالكًا عليها، إذًا لما رأى المحدِّثون أنَّ الفقهاء لا يَعتبرون الشذوذَ عِلَّة، أفْرَدوه بالبحث ووضَّحوه.




لابدَّ مِن توضيح هذا؛ لأنَّ البعضَ يَنتقِدك ويقول: لماذا التَّكرار؟ وكما قال الشيخُ ابن عثيمين: "اللَّفْظ إذا اشتمَل على التَّكْرار أو البِناء، يُحمَل أنَّه بناء"، فالتَّكرار عيبٌ عند البُلغاء،وإنَّك لا تَعرِف كيف تَتكلَّم فتكرِّر ما تقول، فنوضح أنَّ هذا ليس تَكرارًا، بل مخالفة لمنهجِ الفُقهاء؛ لأنَّهم لا يَعتبِرون الشذوذَ عِلَّة.




سؤال آخَر: أليس اشتراطُ الضبط (الشرط الثالث) يُغْني عن اشتراط انتفاءِ الشذوذ (الشرط الرابع)، وانتفاء العلَّة (الشرط الخامس)؟

• توضيحٌ للسؤال: عندما اشترط المحدِّثون أن يكونَ الراوي ضابِطًا - الشَّرْطالثالث - أليس هذا يُغني عن انتفاءِ الشذوذِ وانتفاءِ العِلَّة؟ لأنَّ وقوع الرَّاوي في الشذوذ والعلَّة يعني أنَّ ضبط الراوي خفيفٌ، وقد اشترط المحدِّثون - الشرْط الثالث - أن يكونَ الراوي تامَّ الضبط، فبهذا الشرْط - تام الضبْط - نَضمن أنَّ الراوي لا يشذُّ، كما لا تقَع في مَرويَّاته عِلَّة؟




ج: نقول: لا يَكفي اشتراطُ الضبط فقط؛ لأنَّالضبط شرْط عام (أي: على الإجمال) في الراوي؛ أي: أقول: إنَّ هذا الراوي ضابط، إنَّما شرْط انتفاء الشُّذوذ وانتفاء العِلَّة خاص بالرِّواية التي أقوم بدِراستها، فمِن الممكن أن يكونَ الراوي ضابطًا، ووصفته بالحِفظ، ثم يُخطِئ في رِواية مرَّةً مِن المرات، فنشترط انتفاء الشذوذ والعِلَّة؛ حتى نتلافَى خطأ الثقة في هذه الرِّوايةبعينها.




مثال: الإمام مالك ثِقة ضابِط، عدلٌ حجَّة، حافِظ، إمام دار الهِجرة، لو لم نذكُر انتفاء الشذوذ والعِلة مِنضِمن شروط الصحَّة، فلو أخطأ مالكٌ في رِواية بعينها؛ فهل أُصحِّح الرواية أم لا؟ فبما أنَّك قلت: نُلغي شرط انتفاء الشذوذ والعلة، وقلت: إنَّ الشذوذ والعلة مُتَضَمَّنان في الضبط (الشرط الثالث)، فسوف تصحِّح الرواية، وهذا خطأ؛ لأنَّ اشتراطَ الضبط شرطٌ عام في الرَّاوي، إنَّما شرط انتفاء الشذوذ والعِلَّة خاص بالرِّواية المدروسة، فقد يكونُ الإمام تامَّ الضبط، إمامًا في الحِفظ، ويُخطِئ في رِواية بعَينها، فحتى لا أُصحِّح روايته بناءً على الشَّرْط العام، وضعتُ شرطًا خاصًّا بالرِّواية، يعني أنَّنا حتى الثقة لن ندعَ خطأه يمر، إذًا الضبط شرْطٌ عام، ويختصُّ بالراوي، والشذوذ والعلة شرْطٌ خاصٌّ، ويختصُّ بالرِّواية.




فمَن أراد أن يدفع الشَّرْط الخاص (شذوذ الرِّواية) بالشرط العام (ضبْط الراوي)، فعليه بالدليل؛ إذ - وكما هو معلوم في الأصول - إنَّ الشَّرْط الخاص يخصِّص العام؛ أي: إنَّ شذوذَ الرواية يدلُّ على أنَّ الثقة أخطأ، فكيف تدفع هذا بهذا؟! وهذا ذَكَرْناه؛ لأنَّ كثيرًا ممَّن يتطاول على مائدةِ العلماء يردُّون تعليلاتِ الأئمَّة بقولهم: وقد أخطأ أبو زُرْعة الرازيُّ حيث إنَّه ضعَّف الحديث وحَكَم عليه بأنَّه منكَر؛ لأنَّ فلانًا تفرَّد به، وقول أبي زُرعة مردودٌ، حيث إنَّ فلانًا هذا ثِقة، نقول لهذا الشِّبر وأمثاله: توثيق فلان لا يَخفَى على هذا الإمام، بل إنَّه مِن الممكن أن يكونَ الإمامُ أبو زرعة وثَّقه، الأمر الثاني أنَّ الإمام أبو زُرْعَة ضعَّف الحديث بدليل خاصٍّ (التفرُّد المقترن بقرينة تدلُّ على النَّكارة)، فيَجب عليك حتى تَستطيعَ أن تردَّ عليه - وأنَّى لك هذا؟! - أن تأتي بدليل خاصٍّ يدفَع دليلَ أبي زرعة، أمَّا دفعك للدليل الخاصِّ (التفرُّد المقترن بقرينةٍ تدلُّ على النَّكارة) بالدليل العام، فهذا فيه أمْران:

الأول: سوء أدَب مع العلماء.

الثاني: سوء عِلم.




الشَّرْط الخامِس مِن شروط الصحَّة: انتفاء العلَّة:

◄ تعريف العلَّة: هي سببٌ خفيٌّ يقْدَح في صحَّة الحديثِ مع أنَّ الظاهِر السلامة منها، وهذا أشرفُ أنواع علومِ الحديث، وهو عِلمالعِلل، ولا يُبَرَّز فيه إلا مَن كان مُبَرَّزًا في علوم الحديث، مِن الجرْح والتعديل، ومعرِفة المراسيل، والتصحيف والتحريف، والجمْع والتفريق، وأسباب الشذوذ والنَّكارة، وما رُوي بالمعنى وما رُوي باللفظ، وغير ذلك، وأنْ يكون عالِمًا بمناهج المحدِّثين العارفين بالرِّجال والعِلل، مميِّزًا لاصطلاحاتِهم، مُحرِّرًا لأصولهم، مُدْمِنًا النَّظرَ في كلامِهم في الرِّجال والعِلل؛ كيحيى القطَّان، ومَن تلقَّى عنه كأحمدَ بن حنبل، وابن المديني، وغيرهما، ومَن جاءَ بعدَهما وسلَك سبيلهما مِن أئمَّة هذا الشأنِ؛ كالبخاريِّ، ومسلم، وأبي حاتِم، وأبي زُرْعَة، والنَّسائي، والدارقطني، وابن عَدِيٍّ، وغيرهم مِن الأئمَّة الكبار، ومَن تبعهم، وسار على دَرْبهم، وضرب على منوالِهم، ممَّن جاءَ بعدَهم، مِن المبرّزين مِن العلماء المتأخِّرين؛ كالذهبي، وابن حجر، وابن رجب، وابن عبدالهادي، والمعلّمي اليماني، والألباني - رَحِمهم الله جميعًا، ورضِي عنهم أجمعين.




◄ عندما نَتكلَّم عن العِلَّة نقصد بها العلة الخفيَّة القادِحة، ولكن قدْ توسَّع بعضُ العلماء فأطلقوا العِلَّةَ على الضعْف غير الخفي (أي: أمر ظاهر)، وهذا مِن باب التوسُّع في الاصطلاح، أو مِن باب لا مُشاحةَ في الاصطلاح؛ لماذا؟

لأنَّ كلَّ ضَعْف في الحديث يجوز أن نُطلِق عليه علَّة، مثلاً: السقط الظاهِر الذي ذَكَرْناهمِن قبل المُعلَّق والمنقطِع والمُرسَل والمُعضَل - هذا سقطٌ ظاهِر، ويصلح أنْ نُطلِق عليه عِلَّة ظاهِرة، الترمذي نفْسه أطْلَق على النَّسْخ علَّة؛ أي: إذا جاء حديثٌ نُسخ بحديثٍ آخَر أطلق عليه عِلَّة، فقدْ حَكَم بالعلة على حديثِ مُعاويةَ في شارِب الخمر، وفيه: ((فإنْ عادَ في الرابعة، فاقْتُلوه)).



س1: التفرُّد هو المنكَر؛ فما بال حديث ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّات))؟

ج: السُّؤال خطأ؛ لأنَّ قولَك: التفرُّد هو المنكَر، كلامٌ غير صحيح، ولكن الصحيح أن تقولَ: التفرُّد المقترِن بقرينةٍ تدلُّ على الخطأ هو المنكَر، وليس مُطلَق التفرد.




أمَّا فما بالُ حديث ((إنَّما الأعمال بالنيَّات))، أقول: حديث ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّات)) حديثٌ فرْد ليس في طَبقة واحدة، بل في ثلاث طبقات، إلا أنَّ هذه الفرديةَ غيرُ مقترنة بقرينةٍ تدلُّ على الخطأ (النَّكارة)، وإن كان الرواة فيه ليسوا مِن الدرجات العليا مِن الإتْقان، إلا أنَّهم تفرَّدوا بشيء معلوم مِن الدِّين بالضرورة؛ لأنَّ كل الشرع يدلُّ على أنَّ العمل لايُقبَل إلا بنيَّة.




س2: لو تَفرَّد ثقةٌ مخالِف للضعيف؟

هذا السؤال خَطأ من وجهين:

1) كَلِمة تفرَّد هنا خطأ؛ لأنَّه ما دام هناك مخالفةٌ يعني أنَّ شخصًا ما خالَف شخصًا آخَر، فكيف يكون هذا تفرُّدًا؟!



2) لا يُمكِن أن يخالِف الثِّقة؛ لأنَّ الضعيفَ هو مَن خالَف، ولو خالَف جَمْعٌمِن الضعفاء ثِقةً، فيكون الثقةُ هو الصواب، فالضعفاءُ لا يَزيد بعضُهم بعضًا إلاَّ وهنًا، والشيخُ أبو إسحاق الحويني - حفظه الله تعالى - مَثَّلها بمثالٍ رائِع جدًّا، قال: لو أنَّ صخرةً ستَقع مِن فوق جبل واعتبَرْنا أنَّ هناك ثلاثةً مِن الأشخاص سيَدفعونها، هُم الذين سيدفعونها أم 1000 بدون أزْرُع (أي: مقطوعي الأيدي)؟ فالثلاثةُ هم مَن يَستطيعون دفْعَها.




س3: ماذا لو خالَف الثقةُ الثقاتِ؛ هل نُصحِّح الاثنين أم يتمُّ الجمع بينهما؟

لا نُصحِّح الاثنين، ولا يتمُّ الجمع بينهما، وإنَّما نُصحِّح حديثَ الثقات، ونُضعِّف حديثَ الثِّقة الذي خالفَهم، فما دام الثِّقة خالَف الثِّقات، فقدْ أخطأ، والشيخُ الألبانيُّ يقول: "الخطأ وإنْ رُوي عن ألْف راوٍ لا يَرتقي إلى الصحيح؛ لأنَّه خطأ، والخطأُ لا يتعدَّد.




مثال: مائة شخص قالوا: 1×1=1، وشخص سألته: 1×1 يساوي كم؟ قال: يساوي 2، فتأخذ برأي مَن؟ أكيد مَن قال 1×1=1، ومَن قال بغير هذا لا يُؤخذ بكلامه، فمسألة الثقة إنْ خالف ثِقاتٍ نُصحِّح الاثنين غير صحيحة، بلنُصحِّح حديثَ الثقات، ويكون حديثُ الثقةِ شاذًّا أو منكرًا.




س4: - إذا اتَّفق علماءُ الحديث على صحَّة حديثٍ؛ فهل الفقهاء يستطيعون التكلُّمَ فيه؟

الفقهاءُ لا يُعارِضون في صحَّةِ الحديث، بل في غالب الأمْر يُعارضون في ضَعْف الحديث، فإذا قال المحدِّثون: الحديث ضعيفٌ، قال الفقهاء: لا، بلْ هو صحيحٌ؛ لأنَّ الشذوذَ عندَهم ليس عِلَّة، ومخالفة الثقات ليستْ عِلَّة، وإنَّما إذا اتَّفق علماءُ الحديث على صِحَّة حديثٍ، فلا يُخالفهم الفقهاءُ.



--------------------------------------------------------------------------------

قال الشيخ محمَّد عمر: الآياتُ التي في القرآن تدلُّ على إخلاص النيَّة وإرادة العمَل لوجهِ الله، أمَّا تَفصيل أنَّ لكلِّ عملٍ نيَّة، فهذا أتتْ به السُّنَّة.

ومِن ذلك أيضًا أنَّ أبا حاتم الرازي أعلَّ حديثًا بتدليس اللَّيْث بن سعد فيه، فقال: ولم يذكر أيضًا الليثُ في هذا الحديث خبرًا، ويحتمل أنْ يكون سَمِعه مِن غير ثِقة ودلَّسه، والليث بن سعد لم يَحكُم عليه أحد أنه مدلِّس.

وقال أبو حاتم أيضًا في حديث آخر: لم يُحدِّث بهذا أحدٌ سوى ابن عيينة، عن ابن أبي عَروبةَ، ولو كان صحيحًا لكان في مُصنَّفات ابن أبي عروبةَ، وهذا أيضًا ممَّا يُوهِّنه، فتعقَّبه بعضُ المعاصرين بأنَّ ابن عيينة أحدُ جِبال الحفظ ولا يضرُّه كون الحديث ليس في مصنَّفات ابن أبي عَروبة، وبأنَّه إنْ لم يصرِّحْ بالسماع لا يضرُّه؛ لأنَّه لا يُدلِّس إلا عن ثِقة، كما قال ابنُ حبَّان وغيرُه.

وهذا التعقب ليس بشيء، وهو يدلُّ على عَدَم فَهْم مراد الإمام مِن إعلاله، فهبْ أنَّ سفيان لم يُخطِئ في هذا الحديث عن ابن أبي عروبة، لكن ما دمنا قد تحقَّقْنا أنَّ الحديث ليس في مصنَّفات ابن أبي عروبة، فهو إذًا لم يُحدِّث به من كتاب، وإنما حدَّث به حفظًا، وإنَّ ابن أبي عروبة كان قد اختلَط كما هو معلومٌ، وابن عُيينة لم يَذكُروا أنَّه ممن أخذ عنه قبل الاختلاط، فالظاهرُ أنَّه أخَذ عنه بعدَه، وعليه يكون ابنُ أبي عروبة قد حدَّث ابنَ عُيينة بهذا الحديثِ إنْ كان ابنُ عُيينة حفِظه - في حال اختلاطِه مِن حِفْظه وليس مِن كتابه، وهذا وحْده يَكفي في الطعن في الحديث.

ثم إنَّه ليس هناك تعارُضٌ بين قول أبي حاتم الرازي وقول ابن حبان البُستي؛ فإنَّ قولَ البستي إنَّما هو حُكم عام فيما يُدلِّسه ابنُ عُيينة بأنَّه لا يكون إلاَّ عن ثِقة، بينما قولُ أبي حاتم إنَّما هو حُكم خاص بهذا الحديثِ، ولا يُعَارَض الحُكم الخاصُّ بالحُكم العام، بل يُحمَل العام على الخاص، فمَن أراد أن يدفَع تلك العِلَّة الخاصة لا يَكفيه أن يأتي بالحُكم العام؛ لأنَّ أبا حاتم وأمثالَه مِن النقَّاد لا تخفَى عليه القاعدةُ العامَّة، بل لا بدَّ حينئذٍ مِن الإتيان بدليل خاصٍّ تدفَع به تلك العِلَّةَ الخاصَّة، وذلك بأن يأتي بتصريحٍ بالسماع، أو ما يدلُّ عليه في موضِعٍ آخَر، شريطةَ أنْ يكون ذلك محفوظًا عن ابن عُيينة وليس شاذًّا.

والقول في ذلك كالقولِ في أخْطاء الثِّقات؛ فإنَّ الثقة إذا وهَّمه إمامٌ حافظ ناقِد في حديثٍ معيَّن وأعلَّ الحديثَ بتفرُّده به، لا يصلُح لمن دونه أن يدفَع ذلك الإعلالَ بمجرَّد أنَّ هذا الراوي ثِقة، وأنَّ تفرُّدَه مقبولٌ في الأصل، فإنَّ ثِقة هذا الراوي لا تَخفَى على مِثل هذا الإمام، بل قد يكون هو نفسُه يوثِّقه، ولكنَّه حيث وثَّقة إنما حَكم علَيه حُكمًا عامًّا، وحيث خطَّأه في ذلك الحديثِ المعيَّن، فإنَّما هو حُكم خاص يتعلَّق بهذا الحديث المعيَّن، فلا يُدفَع الحُكم الخاصُّ بالحُكم العامِّ، بل يُحْمَل العام على الخاص، فيقال: هو ثِقة إلاَّ أنَّه أخطأ في هذا الحديث، ومَن أراد أن يدفَع خطَأَه في هذا الحديث المعيَّن، فيلزمه أن يأتيَ بدليلٍ خاصٍّ يدلُّ على ذلك، كأن يأتيَ بمتابعةٍ كافية للدلالة على براءتِه مِن عُهدة الحديث، والله أعلم.





يتـــ..ــبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://flofal.yoo7.com
 
سلسلةالجوهر النفيس شرح مصطلح الحديث
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  علم مصطلح الحديث نشأته وتطوره
»  دلالة مصطلح السيرة عند الإمام البخاري في صحيحه
»  من سمات أهل الحديث
»  سلسلة شرح الاربعين النووية ( الحديث الرابع والاربعون)
»  فوائد نفيسة حول الحديث القدسي " ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة "

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتديات الإسلامية :: الحديث والسيرة النبوية-
انتقل الى: