إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له ، واشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
وصلى الله وسلم وبارك على محمدا وآله وصحبه وسلم
أما بعد
ღღღღღღღღღღღღღღღღღღღღღღღღ
ღღتفسير سورة العادياتღღ
ღღღღღღღღღღღღღღღღღღღღღღღღ
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً} *{فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً} *{فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً} *{فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً} *{فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} *{إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} *{وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} *{وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} *{أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ} *{وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ} *{إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ} سورة العاديات
يقسم تعالى بالخيل إذا أجريت في سبيله فعدت وضبحت ، وهو : الصوت الذي يسمع من الفرس حين تعدو . (فالموريات قدحا)يعني اصطكاك نعالها للصخر فتقدح منه النار .
(فالمغيرات صبحا)يعني : الإغارة وقت الصباح ، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير صباحا ويتسمع أذانا ، فإن سمع وإلا أغار .
[وقوله ] (فأثرن به نقعا)يعني : غبارا في [ مكان ] معترك الخيول .
(فوسطن به جمعا)أي : توسطن ذلك المكان كلهن جمع .
قالابن أبي حاتم:حدثناأبو سعيد الأشج، حدثناعبدة، عنالأعمش، عنإبراهيمعنعبد الله: (والعاديات ضبحا)قال : الإبل.
وقالعلي:هي الإبل . وقالابن عباس:هي الخيل . فبلغعلياقولابن عباس، فقال : ما كانت لنا خيل يوم بدر . قالابن عباس:إنما كان ذلك في سرية بعثت .
قالابن أبي حاتموابن جرير:حدثنايونس، أخبرناابن وهب، أخبرنيأبو صخر، عنأبي معاوية البجلي، عنسعيد بن جبير،عنابن عباسحدثه ، قال : بينا أنا في الحجر جالسا ، جاءني رجل فسألني عن : (والعاديات ضبحا)فقلت له : الخيل حين تغير في سبيل الله ، ثم تأوي إلى الليل ، فيصنعون طعامهم ، ويورون نارهم . فانفتل عني فذهب إلىعليرضي الله عنه ، وهو عندسقاية زمزمفسأله عن (والعاديات ضبحا)فقال : سألت عنها أحدا قبلي ؟ قال : نعم ، سألتابن عباسفقال : الخيل حين تغير في سبيل الله . قال : اذهب فادعه لي . فلما وقف على رأسه قال : تفتي الناس بما لا علم لك، والله لئن كان أول غزوة في الإسلام بدر ، وما كان معنا إلا فرسان : فرسللزبيروفرسللمقداد، فكيف تكون العاديات ضبحا ؟ إنما العاديات ضبحا من عرفة[ص: 466 ]إلى المزدلفة ، ومن المزدلفة إلى منى .
قالابن عباس:فنزعت عن قولي ورجعت إلى الذي قالعليرضي الله عنه.
وبهذا الإسناد عنابن عباسقال :قالعلي:إنما (والعاديات ضبحا)من عرفة إلى المزدلفة ، فإذا أووا إلى المزدلفة أوروا النيران.
وقالالعوفي، عنابن عباس:هي الخيل .
وقد قال بقولعلي:إنها الإبل جماعة . منهم :إبراهيموعبيد بن عميروبقولابن عباسآخرون ، منهم :مجاهد،وعكرمة،وعطاء،وقتادة،والضحاك.واختارهابن جرير.
قالابن عباسوعطاء:ما ضبحت دابة قط إلا فرس أو كلب .
وقالابن جريج، عنعطاء:سمعتابن عباسيصف الضبح : أح أح .
وقال أكثر هؤلاء في قوله : (فالموريات قدحا)يعني : بحوافرها . وقيل : أسعرن الحرب بين ركبانهن . قالهقتادة.
وعنابن عباسومجاهد: (فالموريات قدحا)يعني : مكر الرجال.
وقيل : هو إيقاد النار إذا رجعوا إلى منازلهم من الليل .
وقيل : المراد بذلك : نيران القبائل .
وقال من فسرها بالخيل : هو إيقاد النار بالمزدلفة .
وقالابن جرير:والصواب الأول ; أنها الخيل حين تقدح بحوافرها .
وقوله (فالمغيرات صبحا)قالابن عباسومجاهدوقتادة:يعني إغارة الخيل صبحا في سبيل الله.
وقال من فسرها بالإبل : هو الدفع صبحا من المزدلفة إلى منى .
وقالوا كلهم في قوله : (فأثرن به نقعا)هو : المكان الذي إذا حلت فيه أثارت به الغبار ، إما في حج أو غزو .
وقوله : (فوسطن به جمعا)قالالعوفي، عنابن عباس،وعطاء،وعكرمة،وقتادة،والضحاك:يعني جمع الكفار من العدو.
ويحتمل أن يكون : فوسطن بذلك المكان جميعهن ، ويكون (جمعا)منصوبا على الحال المؤكدة .
وقد روىأبو بكر البزارهاهنا حديثا [ غريبا جدا ] فقال : حدثناأحمد بن عبدة، حدثناحفص بن جميع، حدثناسماك، عنعكرمةعنابن عباسقال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا[ص: 467 ]فأشهرت شهرا لا يأتيه منها خبر ، فنزلت : (والعاديات ضبحا)ضبحت بأرجلها (فالموريات قدحا)قدحت بحوافرها الحجارة فأورت نارا (فالمغيرات صبحا)صبحت القوم بغارة (فأثرن به نقعا)أثارت بحوافرها التراب (فوسطن به جمعا)قال : صبحت القوم جميعا.
وقوله : (إن الإنسان لربه لكنود)هذا هو المقسم عليه ، بمعنى : أنهلنعم ربه لجحود كفور.
قالابن عباس،ومجاهد،وإبراهيم النخعي،وأبو الجوزاء،وأبو العالية،وأبو الضحى،وسعيد بن جبير،ومحمد بن قيس،والضحاك،والحسن،وقتادة،والربيع بن أنس،وابن زيد:الكنود : الكفور . قالالحسن:هو الذي يعد المصائب ، وينسى نعم ربه .
وقالابن أبي حاتم:حدثناأبو كريب، حدثناعبيد الله، عنإسرائيل، عنجعفر بن الزبير، عنالقاسم، عنأبي أمامةقال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الإنسان لربه لكنود)قال : " الكفور الذي يأكل وحده ، ويضرب عبده ، ويمنع رفده ".
ورواهابن أبي حاتم، من طريقجعفر بن الزبير-وهو متروك - فهذا إسناد ضعيف . وقد رواهابن جريرأيضا من حديثحريز بن عثمان، عنحمزة بن هانئ، عنأبي أمامةموقوفا .
وقوله : (وإنه على ذلك لشهيد)قالقتادةوسفيان الثوري:وإن الله على ذلك لشهيد.ويحتمل أن يعود الضمير على الإنسان ، قالهمحمد بن كعب القرظي، فيكون تقديره : وإن الإنسان على كونه كنودا لشهيد ، أي : بلسان حاله ، أي : ظاهر ذلك عليه في أقواله وأفعاله ، كما قال تعالى : (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر) [التوبة : 17 ]
وقوله : (وإنه لحب الخير لشديد)أي : وإنه لحب الخير - وهو : المال - لشديد . وفيه مذهبان :
أحدهما : أن المعنى : وإنه لشديد المحبة للمال .
والثاني : وإنه لحريص بخيل ; من محبة المال . وكلاهما صحيح .
ثم قال تعالى مزهدا في الدنيا ، ومرغبا في الآخرة ، ومنبها على ما هو كائن بعد هذه الحال ، وما يستقبله الإنسان من الأهوال : (أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور)أي : أخرج ما فيها من الأموات(وحصل ما في الصدور)قالابن عباسوغيره : يعني أبرز وأظهر ما كانوا يسرون في نفوسهم (إن ربهم بهم يومئذ لخبير)أي : لعالم بجميع ما كانوا يصنعون ويعملون ، مجازيهم عليه أوفر الجزاء ، ولا يظلم مثقال ذرة.آخر [ تفسير ] سورة " والعاديات " ولله الحمد [ والمنة ، وحسبنا الله ]
المصدر كتاب تفسير بن كثير
أسباب النزول
سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك