الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات
أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله
واعترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله
فاطر الأرضين والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات
والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات
وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا
أما بعد :
فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها،
وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
ــــ أعاذنا الله وإياكم من النار ــــ
الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه وعلى آله وصحبه وبعد:
سئلً عليٌّ رضي الله عنه : كيف كان حبُّكُم لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : كان والله أحبَّ إلينا من أموالنا وأولادنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظَّمأ .
وقال عمروُ بنُ العاصِ رضي الله عنه : ما كان أحدٌّ أحبُّ إليَّ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولا أجلَّ في عينَيَّ منه ، وما كنت أطيقُ أن أملأَ عينَيَّ منه إجلالاً ،ولو سئلتُ أن أصفَه ما أطَقْتُ لأني ما كنت أملأً عيني منه .
ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم عندما يسمعون حديث الرسولِ صلى الله عليه وسلم كأن على رؤوسهم الطيرَ من الخشوعِ والعظمةِ لأمرِ النبي للنبي صلى الله عليه وسلم.
ولما وعظهم النبي للنبي صلى الله عليه وسلم تلكَ الموعِظَةِ العظيمةَ المشهورةَ كيفَ ذرفَتْ عيونُهُم وكيف وَجَلَتْ .
وكان من أدَبِهِم مع المصطفى عليه الصلاة والسلام أنهم كانوا يطرقون أبوابَه عليه الصلاةُ والسلامُ بالأظافيرِ . فكان من أدبهم أنهم لا يطرقونَ البابَ طرقاً كالطرقِ المعتادِ ؛ وإنما كانوا يتلَطَّفونَ ويتأدَّبون حتى كانوا يطرقون أبوابه طرقاً بالأظافيرِ ، فرضي الله عنهم وصلى الله على هذا النبي الهادي البشير ، وغير ذلك كثيرٌ من الآثارِ عن السلفِ في تعظيمِهِم لحديثِ نبيِّهِم للنبي صلى الله عليه وسلم .
وإذا رأينا في أقوال الأئمةِ وفيما نُقِلَ عن أئمَّتِنا نجدُ في ذلك آثاراً كثيرةً أيضاً منها :
_ ما جاء في البخاري عن السائبِ بنِ يزيدَ قال : كنتُ قائماً في المسجِدِ، فحَصَبَني رجلٌ، فنظرتُ فإذا عمرُ بنُ الخَطّابِ، فقال : اذهبْ فأْتِني بهذين ، فجئْتُه بهما، قال: من أنتما، أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعْتُكُما، ترفعانِ أصواتَكما في مسجدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
انظروا إلى هذا الأدب ، وكيف كان هذا الإنكارُ على هذينِ في رفعِهِما لأصواتِهما في مسجِدِ رسولِ الله .
_ ولهذا أُثِرَ عن الإمامِ مالكٍ رحمه الله _ وكان من أشدِّ الناسِ تعظيماً لحديثِ رسولِ الله للنبي صلى الله عليه وسلم _ أنه إذا جلس للفقهِ جلسَ كيفَ كان ، وإذا أراد الجلوسَ للحديثِ اغتسلَ وتطَيَّبَ ولبس ثياباً جُدُداً وتعّمَّمَ وجلس على مِنَصَّتِهِ بخشوعٍ وخضوعٍ ووقارٍ ، ويجلسُ في ذلك المجلسِ ، وكان يبخرُ ذلك المجلسَ من أوَّلَهِ إلى آخرِه تعظيماً لحديثِ المصطفى عليه الصلاة والسلام .
_ كان الإمامُ الشهير ابنُ مهدي إذا قرأ حديثَ رسولِ الله للنبي صلى الله عليه وسلم أمرَ الحاضرينَ بالسُّكوتِ فلا يتحدَّثُ أحدٌّ ولا يُبْرى قلمٌ ولا يتبسَّمُ أحدٌ ولا يقوم أحد قائماً كأن على رؤوسهم الطيرَ أو كأنهم في صلاةٍ ، فإذا رأى أحداً منهم تبسَّمَ أو تحدَّثَ لبس نعلَه وخرجِ .
فانظروا إلى هذه الآثارِ العظيمةِ التي تدلُّنا دِلالاتٍ واضحة قويَّة على مدى تعظيمِ واحترامِ هؤلاءِ الصحابةِ والتابعينَ لنبي الله صلى الله عليه واتباعه وسلم.
الشيخ د.عاصم بن عبدالله القريوتي