أجمعت الأمة على عصمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحفظ الله له ، وأن حياة نبيها ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل البعثة وبعدها ـ كانت أمثل حياة وأكرمها وأشرفها ، فلم تعرف له فيها هفوة ، ولم تحص عليه فيها زلة ، بل إنه امتاز بسمو الخلق ، ورجاحة العقل ، وعظمة النفس ، وحسن الأحدوثة بين الناس ، ثم أوحى الله إليه وبعثه ، فمن أين له هذا ؟ ، وهو اليتيم الذي تعرض منذ طفولته لمحنة اليتم والفقر ، وهو الأمي الذي لم يجلس طيلة حياته إلى مُعلم يعلمه ، وهو الذي نشأ في بيئة سيطرت عليها الجاهلية سيطرة كاملة في مجال العقيدة والفكر والأخلاق والسلوك ، فنجا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحُفِظ من تلك المؤثرات القوية بحفظ الله له ، وعصمته إياه .
يقولالقاضى عياض: " واعلم أن الأمة مجمعة على عصمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الشيطان وكفايته منه ، لا في جسمه بأنواع الأذى - كالجنون والإغماء - ، ولا على خاطره بالوساوس " .
وروى الإمامأحمدفي مسنده عنهشام بن عروةعن أبيه قال: حدثني جارلخديجةأنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقوللخديجة: ( أيخديجة والله لا أعبد اللات والعزى ، والله لا أعبد أبدا).
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يأكل ما ذُبِح على النصب ، ووافقه في ذلك زيد بن عمرو بن نفيل ، فعنعبد الله بن عمرـ رضي الله عنهما : ( أن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح(واد في طريق التنعيم إلى مكة) قبل أن ينزل على النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ الوحي ، فقدمت إلى النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ سفرة(طعام) فأبَى أن يأكل منها ، ثم قال زيد : إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم ، ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه ، وأن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول : الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء الماء ، وأنبت لها من الأرض ، ثم تذبحونها على غير اسم الله ـ إنكارا لذلك وإعظاما له ـ) رواهالبخاري .
ومن حفظ الله لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ حفظه من أن تبدو عورته أو يظهر عريانا ، فعنجابر بن عبد اللهـ رضي الله عنهما ـ قال : ( لما بنيت الكعبة ذهب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـوالعباسينقلان الحجارة ، فقالالعباسللنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : اجعل إزارك على رقبتك ، فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ، فقال: أرني إزاري فشده عليه) ، وفي حديثزكريا بن إسحاق: ( فسقط مغشياً عليه ، فما رُئي بعد ذلك عرياناً) رواه البخاري.
وذكرأبو نعيمفي الدلائل ، و ابن سعدفي الطبقات : " جاء في قصة بحيرا الراهب أنه استحلف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ باللات والعزى حينما لقيه بالشام في سفره مع عمه أبى طالب وهو صبى ، لما رأى فيه علامات النبوة ، فقال بحيرا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : يا غلام أسألك باللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه ، وإنما قال له بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما ، فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا تسألني باللات والعزى شيئاً ، فوالله ما أبغضت بغضهما شيئاً قط) .
ويتحدث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن مظاهر حفظ الله له ـ قبل النبوة وفي صغره ـ من نزعات الشباب ودواعيه فيقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون به ، إلا مرتين من الدهر ، كلتيهما يعصمني الله منهما ، قلت ليلة لفتى كان معي من قريش بأعلى مكة في أغنام أهله يرعاها : أبصر إلي غنمي حتى أسمر(السَمَر هو الحديث ليلا)هذه الليلة بمكة كما يسمر الفتيان ، قال : نعم ، فخرجت ، فجئت أدنى دار من دور مكة ، سمعت غناء وضرب دفوف ومزامير ، فقلت : ما هذا ؟ ، فقالوا : فلان تزوج فلانة ، لرجل من قريش تزوج امرأة من قريش ، فلهوت بذلك الغناء وبذلك الصوت حتى غلبتني عيني ، فما أيقظني إلا حر الشمس فرجعت فقال : ما فعلت ؟ ، فأخبرته ، ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك ، ففعل ، فخرجت ، فسمعت مثل ذلك ، فقيل لي مثل ما قيل لي ، فلهوت بما سمعت حتى غلبتني عيني ، فما أيقظني إلا مسُّ الشمس ، ثم رجعت إلى صاحبي فقال : فما فعلت ؟ ، قلت : ما فعلت شيئاً ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فوالله ما هممت بعدها بسوء مما يعمل أهل الجاهلية حتى أكرمني الله بنبوته) رواه ابن حبان.
لقد اقتضت حكمة الله ـ سبحانه ـ أن يجعل أنبياءه ورسله بشراً كغيرهم ، لا يميزهم سوى ما اختصّهم به سبحانه من أمور تتطلبها الرسالة وتقتضيها النبوة ، فهم يشتركون مع سائر الناس في الصحة والمرض ، والجوع والشبع ، ويسعون كغيرهم للبحث عن الرزق ، ويقومون بالأعمال التي يحتاج إليها الناس في حياتهم ، ولا يستقيم أمرهم إلا بها .
والنبي - صلى الله عليه وسلم ـ كغيره من الأنبياء ، كان متمتعاً بخصائص البشرية كلها التي فطر الله الناس عليها ، ومع ذلك فقد حفظه الله ـ قبل البعثة وبعدها ـ عن كل ما لا يتفق مع مقتضيات الرسالة والدعوة ، والمنزلة التي هيأه الله لها .
وهكذا نشأ وشبَّ الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ محفوظا ومعصوما ، لما يريد الله به من كرامته ورسالته ، كما قالابن هشامفي السيرة : " .. فشب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والله تعالى يكلؤه ويحفظه ، ويحوطه من أقذار الجاهلية ، لما يريد به من كرامته ورسالته ، حتى بلغ أنْ كان أفضل قومه مروءة ، وأحسنهم خلقاً ، وأكرمهم حسباً ، وأحسنهم جواراً ، وأعظمهم حلماً ، وأصدقهم حديثاً ، وأعظمهم أمانة ، وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال ، حتى سمي في قومه الأمين ، لِما جمع الله فيه من الأمور الصالحة " .
موقع مقالات اسلام ويب
08:01 - 2013/02/16: تمت الموافقة على المشاركة بواسطة al_farid111
2riadh
11:19 - 02/16 معلومات عن العضو رد على الموضوع بإضافة نص هذه المشاركة أضف رد سريع بإقتباس لهذا الرد
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيراً وبارك في مجهودك الطيب واسأل الله لك
المغفرة وحسن الخـتام وحسن اليقين وان يرضى عنك رضاء لا سخط بعده
واصلي واسلم الى النور المبعوث رحمة للعالمين وعلى اله وأصحابه هداة الخلق الى الحق المبين