ان الحمد لله ، نحمده و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله
من شرور انفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له
و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا
عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من تبعهم
بإحسان الى يوم الديـــن ، أما بعد ...
أهـــلا بكـم أحبائنا زوار و رواد و اعضاء منتدى الحديث والسيرة النبوية
سلسلة تخريج أحاديث الروض المربع
محمد بن عبدالله السريِّع
- (1/220، 221) ("ونحوهما[1]"، أي: نحو الخف والجورب، كالجرموق[2]، ويسمى: الموق، فيصح المسح عليه؛ لفعله -عليه السلام-، رواه أحمد وغيره).
1- حديث بلال بن رباح -رضي الله عنه-:
ورد هذا الحديث بأسانيد كثيرة عن بلال، ولم يتفق الرواة فيها على ذكر لفظ الموقين، وسيقتصر التخريج هنا على الأسانيد التي ذُكر فيها -ولو في طريق واحد- هذا اللفظ.
أ- رواية أبي عبدالرحمن -أو: أبي عبدالله- عن بلال:
التخريج:
أخرجه عبدالرزاق (734) -ومن طريقه أحمد (6/12) والطبراني في "الكبير" (1/359)-، وأحمد (6/12) عن محمد بن بكر، والروياني (737) وأبو أحمد الحاكم في "الأسامي والكنى" (2/ق3أ) من طريق أبي عاصم، وعلقه الدارقطني في "العلل" (7/177) عن مفضل بن فضالة، أربعتهم عن ابن جريج، وابن أبي شيبة (1929) والشاشي في "مسنده" (964) من طريق يحيى بن أبي بكير، وأحمد (6/13)، والنسائي في حديث شعبة والثوري مما أغرب بعضهم على بعض (182) عن عمرو بن علي، ومحمد بن الوليد، ثلاثتهم -أحمد وعمرو ومحمد- عن محمد بن جعفر غندر، والبخاري في "التاريخ" (2/106) والبرتي في مسند عبدالرحمن بن عوف (40) والطبراني في "الكبير" (1/359، 360) -ومن طريقه في أحد إسناديه المزي في "تهذيب الكمال" (34/32)- من طريق أبي الوليد الطيالسي، والحسن بن محمد بن الصباح في "مسند بلال" (
عن عفان، وأبو داود (153) والحاكم (1/170) - وعنه البيهقي (1/288) - من طريق معاذ بن معاذ، والشاشي (966) والطبراني في "الكبير" (1/359) -ومن طريقه المزي في "تهذيب الكمال" (34/32)- من طريق سليمان بن حرب، والشاشي (963) من طريق النضر، و(965) من طريق شبابة، والرامهرمزي في "المحدث الفاصل" (ص349، 350) من طريق حجاج بن محمد، والحاكم (1/170) - وعنه البيهقي (1/288) - من طريق آدم، عشرتهم عن شعبة بن الحجاج، وعلقه الدارقطني في "العلل" (7/177) عن عبدالملك بن أبجر، ثلاثتهم - ابن جريج وشعبة وعبدالملك بن أبجر - عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبي عبدالله مولى بني تيم بن مرة، عن أبي عبدالرحمن، أنه كان قاعدًا، فمرَّ بلال، فسألوه عن وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي الحاجة، فيدعو بالماء، فكنت آتيه بالماء، فيمسح على موقيه وعمامته. لفظ عفان، وذكر أكثر الرواة أن الراوي عن بلال كان قاعدًا مع عبدالرحمن بن عوف، وفي بعض الروايات أن السائل هو عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه-.
إلا أن ابن جريج قال - في رواية عبدالرزاق ومحمد بن بكر وأبي عاصم عنه-: أخبرني أبو بكر بن حفص بن عمر، أخبرني أبو عبدالرحمن، عن أبي عبدالله، أنه سمع عبدالرحمن بن عوف يسأل بلالاً...، فقدَّم أبا عبدالرحمن وأخَّر أبا عبدالله في الإسناد. وقال مفضل بن فضالة عن ابن جريج: عن أبي بكر بن حفص، عن رجل، عن عبدالرحمن بن عوف.
وقال عبدالملك بن أبجر: عن أبي بكر بن حفص، عن أبي عبدالرحمن مسلم بن يسار، أنه كان قاعدًا عند عبدالرحمن بن عوف، فقال عبدالرحمن: يا بلال...، لم يذكر أبا عبدالله فيه، وسمَّى أبا عبدالرحمن: مسلم بن يسار.
وقد ذكر جميع الرواة عن شعبة - خلا غندرًا إلا في رواية عمرو بن علي عنه - الموقين في الحديث، إلا أن شبابة شك بين الموقين والخفين، وذكر بعضهم بدل العمامة: الخمار، وهما واحد.
وأما ابن جريج؛ فذكر الخفين والخمار - وفسره بالعمامة -، ولم يذكر الموقين.
ولم يسق الدارقطني لفظ عبدالملك بن أبجر عن أبي بكر بن حفص.
دراسة الأسانيد:
اختُلف فيها عن أبي بكر بن حفص:
• فرواه شعبة عنه، عن أبي عبدالله، عن أبي عبدالرحمن، عن بلال.
ورواه ابن جريج واختُلف عنه:
• فرواه عبدالرزاق ومحمد بن بكر وأبو عاصم عنه، عن أبي بكر، عن أبي عبدالرحمن، عن أبي عبدالله، عن بلال.
• ورواه مفضل بن فضالة، عن ابن جريج، عن أبي بكر بن حفص، عن رجل، عن عبدالرحمن بن عوف.
• ورواه عبدالملك بن أبجر، عن أبي بكر بن حفص، عن أبي عبدالرحمن مسلم بن يسار، عن بلال.
فأما رواية مفضل بن فضالة عن ابن جريج؛ فإنه لم يحفظه، قال الدارقطني: (ورواه مفضل بن فضالة عن ابن جريج عن أبي بكر بن حفص، ولم يحفظ من بينه وبين عبدالرحمن بن عوف...)[3]، واجتماع الثلاثة الثقات عن ابن جريج أصح من رواية مفضل.
وأما رواية عبدالملك بن أبجر؛ فلم أقف لها على إسناد، وقد قصر في إسقاطه أبا عبدالله، وزاد تسمية أبي عبدالرحمن، وخالفه شعبة وابن جريج في ذلك؛ فلم يسمياه، وقولهما أرجح[4]، ولذا لم يعتمد الدارقطني هذه التسمية، حيث سئل: في رواية شعبة: عن أبي بكر بن حفص، عن أبي عبدالرحمن، عن أبي عبدالله، من هما؟ فقال: (ما سماهما أحد إلا ابن أبجر، فقال: عن أبي عبدالرحمن مسلم بن يسار، وليس عندي كما قال)[5].
وبقي الخلاف الواقع بين شعبة وابن جريج.
وقد قال ابن حجر: (وأما قول من قال فيه: أبو عبدالرحمن، عن أبي عبدالله، عن بلال؛ فقد قلبه ابن جريج، صرَّح بذلك غير واحد من الحفاظ)[6]، ولم أجد من صرَّح به.
وقال ابن عبدالبر: (هذا إسناد مضطرب مقلوب، مرةً يقولون: عن أبي عبدالله، عن أبي عبدالرحمن، ومرة: عن أبي عبدالرحمن، عن أبي عبد الله...)[7].
وثَمَّ خلاف آخر بين شعبة وابن جريج؛ فإن شعبة ذكر في أكثر الألفاظ عنه المسح على الموقين، وذكر ابن جريج المسح على الخفين.
وابن جريج أقدم وأكبر من شعبة، وهو مكي، وشيخه أبي بكر بن حفص مدني، فاتفقا في الحجازية، إلا أن شعبة حافظ، ولم يختلف عليه، وروايته أشهر، وقد غمز بعض الأئمة رواية ابن جريج.
وهذا يبين أن الخلاف متقارب في القوة، فالقول بالاضطراب قوي، خاصة أن أبا بكر بن حفص المختلَف عليه لم يذكر بمزيد حفظ، وإنما وثقه العجلي والنسائي، وحكى ابن عبدالبر الإجماع على ثقته وكونه من أهل العلم.
ثم إن أبا عبدالله وأبا عبدالرحمن غير معروفين، وقد سبق قول الدارقطني في ذلك، وقد قال ابن عبدالبر: (وكلاهما مجهول لا يعرف)[8]، وقال ابن دقيق العيد: (ولم يُسمَّ هو - يعني: أبا عبدالله - ولا أبو عبدالرحمن، ولا رأيت في الرواة عن كلٍّ منهما إلا واحدًا: وهو ما ذُكر في الإسناد)[9].
إلا أن الحاكم قال: (هذا حديث صحيح؛ فإن أبا عبدالله مولى بني تيم معروف بالصحة والقبول)[10]، ولعل هذا داخلٌ في التساهل الواقع من الحاكم؛ فإنه لم يأت توثيقه إلا عنه، وقد جهَّله غيره. وحتى لو صحَّ توثيقه؛ فالجهالة باقية في أبي عبدالرحمن.
ب- الخلاف على أبي قلابة في حديث بلال:
التخريج:
1- أبو قلابة، عن أبي إدريس، عن بلال:
أخرجه ابن أبي شيبة (1868) وأحمد (6/15) وإسماعيل القاضي في حديث أيوب (48) والبزار (1377) والروياني (744) وابن خزيمة (189) وابن المنذر في "الأوسط" (490) وابن قانع (1/78) والطبراني في "المعجم الكبير" (1/362)، من طريق حماد بن سلمة، عن أيوب السختياني، والبزار (1378) وأسلم بن سهل بحشل في "تاريخ واسط" (ص201) والطبراني في "الكبير" (1/363) -ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (66/230)- والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/62) و"الصغرى" (127) و"معرفة السنن والآثار" (1/278)، من طريق خالد بن عبدالله، عن حميد الطويل، عن أبي رجاء مولى أبي قلابة، كلاهما (أيوب وأبو رجاء) عن أبي قلابة، والحسن بن محمد بن الصباح في "مسند بلال" (11) والأثرم في "سننه" (13) والبغوي في "الجعديات" (2669) -ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (66/229، 230)- والطبراني في "الكبير" (1/362) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (66/230)، من طريق زهير أبي خيثمة، وعلقه الدارقطني في "العلل" (7/182) عن زياد بن خيثمة، والمعتمر بن سليمان، ثلاثتهم (زهير وزياد والمعتمر) عن حميد الطويل، عن أبي رجاء ابن أخي أبي إدريس، والطبراني في "الكبير" (1/363) - ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (66/230)- من طريق محمد بن أبي بكر المقدمي، عن المعتمر بن سليمان، عن حميد، عن أبي المتوكل الناجي، ثلاثتهم (أبو قلابة وأبو رجاء وأبو المتوكل) عن أبي إدريس، عن بلال، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين والخمار. لفظ أبي رجاء عن أبي قلابة، ونحوه لأبي المتوكل ولأبي رجاء عن أبي إدريس، وقال حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على الموقين والخمار.
2- أبو قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن بلال:
أخرجه الطبراني في "الكبير" (1/363)، و"الأوسط" (6832)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (11/482، 66/121) من طريق الوليد بن مسلم، والطبراني في "الشاميين" (2784) من طريق مروان بن محمد، كلاهما (الوليد ومروان) عن سعيد بن بشير، عن مطر الوراق، عن أبي قلابة، به، ولفظ إسناد الوليد: عن أبي الأشعث، أن أبا جندل بن سهيل والحارث بن معاوية مرَّا على بلال فسألاه عن المسح على الخفين...، فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على الخفين والخمار، وهذه حكايةُ أبي الأشعث قصةَ أبي جندل والحارث وبلال، فكأنه يروي الحديث عن بلال، ولذا اختصر الطبراني الإسناد في "الكبير"، فجعله: عن أبي الأشعث، عن بلال، وقال مروان بن محمد، عن سعيد بن بشير: عن مطر، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن أبي جندل، أنه سأل بلالاً...
3- أبو قلابة، عن بلال مباشرة:
أخرجه عبدالرزاق (732) -ومن طريقه ابن الأعرابي في "معجمه" (1443) والطبراني في "الكبير" (1/362)- عن معمر، وعلقه الدارقطني في "العلل" (7/180) عن عبدالوهاب الثقفي وسعيد بن أبي عروبة وحماد بن زيد، أربعتهم (معمر وعبدالوهاب وسعيد وحماد) عن أيوب السختياني، والروياني في "مسنده" (735) -ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (68/109)- من طريق خالد الحذاء، والطبراني في "الكبير" (1/362) من طريق يحيى بن أبي إسحاق، ثلاثتهم (أيوب وخالد ويحيى) عن أبي قلابة، به، ولفظ أيوب: قال: مسح بلال على موقيه، فقيل له: ما هذا؟ قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين والخمار. فوقف المسح على الموقين، ورفع المسح على الخفين والخمار، وقال خالد الحذاء: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على الموقين وفوق الخمار، وقال يحيى بن أبي إسحاق: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين والخمار.
دراسة الأسانيد:
اختُلف في هذه الرواية على بعض الرواة ممن هو دون أبي قلابة، وفيما يلي توضيح ذلك، ثم توضيح الخلاف على أبي قلابة:
أولاً: الخلاف على أيوب السختياني:
• رواه حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي إدريس، عن بلال.
• ورواه معمر وعبدالوهاب الثقفي وابن أبي عروبة وحماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن بلال مباشرة، بإسقاط أبي إدريس.
والروايات عن أيوب على الوجه الثاني عدا رواية معمر معلقة، لم أجدها مسندة.
وقد توبع أيوب عن أبي قلابة على الوجه الأول؛ تابعه أبو رجاء مولى أبي قلابة - وفي روايته اختلاف يأتي -، وتوبع على الوجه الثاني؛ تابعه خالد الحذاء ويحيى بن أبي إسحاق.
وقد حكم البخاري بخطأ حماد بن سلمة في روايته، وأشار إلى ذلك البزار: قال البخاري: (وقال حماد بن سلمة: عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي إدريس، عن بلال: مسح النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال غير واحد: عن أيوب، عن أبي قلابة، عن بلال)[11]، وقال أيضًا: (أخطأ فيه ابن سلمة، أصحاب أبي قلابة رووا عن أبي قلابة، عن بلال، ولم يذكروا فيه: عن أبي إدريس)[12]، وقال البزار: (وقد روى حديث أيوب غير واحد عن أيوب، عن أبي قلابة، عن بلال، ولم يذكروا أبا إدريس، ولا نعلم أحدًا قال: عن أبي إدريس؛ إلا حماد بن سلمة)[13].
ومتابعات أيوب على الوجه الثاني (أبو قلابة عن بلال مباشرة) أقوى من متابعته على الوجه الأول، وهذا يؤيد راجحية ما حكم به البخاري وأشار إليه البزار.
ومن خطأ حماد بن سلمة في الحديث أيضًا: أنه خلط موقوف الحديث بمرفوعه، فجعل المتن: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الموقين والخمار، وإنما المسح على الموقين من فعل بلال، والمرفوع في المسح على الخفين والخمار؛ بيَّن ذلك معمر عن أيوب عن أبي قلابة، ووافقه في المرفوع حسب: يحيى بن أبي إسحاق، وأما خالد الحذاء؛ فقال كما قال حماد بن سلمة عن أيوب، وفي هذا نظر، ورواية معمر أقوى.
فالراجح عن أيوب: روايته عن أبي قلابة، عن بلال مباشرة، وتفريقه بين الموقوف والمرفوع في الحديث.
وتابع أيوبَ على وجهه الإسنادي: خالد الحذاء ويحيى بن أبي إسحاق، وعلى بعض وجهه المتني: يحيى بن أبي إسحاق.
ثانيًا: الخلاف على حميد الطويل:
• رواه خالد بن عبدالله الواسطي، عن حميد، عن أبي رجاء مولى أبي قلابة، عن أبي قلابة، عن أبي إدريس، عن بلال.
• ورواه زهير بن خيثمة وزياد بن خيثمة والمعتمر بن سليمان - في وجهٍ عنه - عن حميد، عن أبي رجاء ابن أخي أبي إدريس، عن عمه أبي إدريس، عن بلال.
• ورواه المعتمر بن سليمان - في الوجه الآخر عنه -، عن حميد، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي إدريس، عن بلال.
فأما الوجهان الأولان:
فلم أقف على رواية زياد بن خيثمة ولا رواية المعتمر بن سليمان - عليه - مسندةً[14].
وقد قوَّى أبو حاتم زهيرًا على خالد الواسطي، إلا أنه صوَّب في هذا الحديث رواية خالد بن عبدالله، ولعله لأجل ذلك لم يجزم بخطأ زهير، فقد سأله ابنه عن رواية زهير هذه، فقال: (هذا خطأ، إنما هو حميد، عن أبي رجاء مولى أبي قلابة، عن أبي قلابة، عن أبي إدريس، عن بلال، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -)، قال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: الخطأ ممن هو؟ قال: (لا يُدرَى)[15].
وقد سأل البرقانيُّ الدارقطنيَّ عن رواية زهير، فقال: (ينفرد زهير فيه بزيادة أبي رجاء)، قال: يخرج هذا الحديث في الصحيح؟ قال: (نعم)[16]. ولم أقف على روايةٍ عن حميد فيها إسقاط أبي رجاء، إلا رواية المعتمر بن سليمان، وفيها إبداله بأبي المتوكل الناجي لا إسقاطه، وأما رواية خالد بن عبدالله ففيها زيادة أبي قلابة في الإسناد، فمن المشكل قول الدارقطني: (ينفرد زهير فيه بزيادة أبي رجاء) مع كون أبي رجاء مذكورًا عند الجميع، وإن كان الظاهر أنه يرى في رواية زهير تفردًا مشكلاً.
كما لا يبدو من موافقة الدارقطني على تخريجه في الصحيح تصحيحٌ للحديث، ولعل هذا لأن زهيرًا ثقة ثبت، وأولى به ألا تُبعَد روايته من الصحيح، أو لأن الحديث فيه غرابة مع سلامة الإسناد، وقد أمر الدارقطني بتخريج إسنادٍ مع نصِّه على ضعفه، ولم يُنَصَّ في ذلك على كونه في الصحيح، لكنه الظاهر من السياق[17].
فالراجح من هذين الوجهين عن حميد: رواية خالد بن عبدالله.
وأما الوجه الثالث عن حميد: رواية المعتمر عنه، عن أبي المتوكل، عن أبي إدريس، عن بلال، فقد أخطأ فيه المعتمر، قال البزار: (وروى هذا الحديث المعتمر، عن حميد، عن أبي المتوكل؛ فأخطأ فيه)[18]، وقال الدارقطني: (فقيل عن المقدمي، عن معتمر، عن حميد، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي إدريس، وليس ذلك بمحفوظ)[19].
وهذا أحد الوجهين عن المعتمر - فيما حكاه الدارقطني -، وإن صح عنه رواية الوجهين، فتلك قرينة على اضطرابه وخطئه فيه.
ثالثًا: الخلاف على سعيد بن بشير، عن مطر الوراق:
اختُلف عن سعيد:
• فرواه الوليد بن مسلم عنه، عن مطر، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني، أن أبا جندل والحارث بن معاوية سألا بلالاً، فقال:... الحديث.
• ورواه مروان بن محمد عن سعيد، عن مطر، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن أبي جندل، عن بلال.
ولعل رواية مروان اختصارٌ منه أو ممن دونه، وإدراجٌ لصاحب القصة في الإسناد، وفي رواية الوليد بن مسلم زيادة حفظ وتفصيل.
رابعًا: الخلاف على أبي قلابة:
تلخص مما سبق أنه قد صح عن أبي قلابة الخلاف التالي:
• رواه أيوب السختياني وخالد الحذاء ويحيى بن أبي إسحاق، عن أبي قلابة، عن بلال.
• ورواه أبو رجاء مولى أبي قلابة، عن أبي قلابة، عن أبي إدريس، عن بلال.
• ورواه مطر الوراق، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن بلال؛ من رواية سعيد بن بشير، عن مطر.
فأما الوجه الأخير، فسعيد بن بشير ومطر الوراق متكلم فيهما، فهذا الوجه ضعيف.
وبقي الوجهان الأولان، والراجح منهما الأول؛ لاجتماع أوثق أصحاب أبي قلابة (أيوب وخالد) عليه، في مقابل انفراد أبي رجاء مولى أبي قلابة، وهو صدوق.
وأبو قلابة لم يدرك بلالاً، قاله الشافعي والبخاري والدارقطني والبيهقي[20]، وقد توفي أبو قلابة بعد المائة بقليل، وهو في الخمسين أو أكثر بقليل من عمره، فتحقق أنه ولد بعد الخمسين، وبلال - رضي الله عنه - توفي سنة عشرين أو قبلها بقليل، وقد حكم أبو حاتم بأنه لم يسمع من علي ولا عبدالله بن عمر، وهؤلاء تأخرت وفاتهم عن بلال كثيرًا، فأولى ألاّ يكون سمع من بلال.
وأما المتن، فقد تبيَّن قبلُ انفرادُ حماد بن سلمة في روايته الخطأ بذكر المسح على الموقين، وترجح أن الصواب وقف المسح على الموقين على بلال ورفع المسح على الخفين إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
يتلوه في الحلقة التالية - بعون الله -: تخريج الخلاف على الحكم بن عتيبة في حديث بلال، ودراسته والترجيح فيه.
ـــــــــــــــــ
[1] هذا عطفٌ على ما سبق تعداده مما يجوز المسح عليه.
[2] في حاشية ابن قاسم: (بضم الجيم، نوع من الخفاف، قال الجوهري: الذي يلبس فوقه لحفظه من الطين وغيره، وقال ابن سيده: خف صغير، وقال النووي: شيء يشبه الخف فيه اتساع، يلبس فوق الخف في البلاد الباردة...).
[3] العلل (7/177).
[4] قد جاء في رواية الشاشي من طريق شبابة: (عن أبي عبدالرحمن السلمي)، ويظهر أن هذا إقحام من بعض الرواة أو النساخ؛ فإنه لم يجئ إلا هنا، ولا يصح.
[5] العلل (7/177).
[6] تهذيب التهذيب (12/172).
[7] نقله مغلطاي -في شرحه على ابن ماجه (2/294)- عن الاستغناء، ولم أقف عليه فيه.
[8] السابق.
[9] الإمام (2/199).
[10] المستدرك (1/170).
[11] التاريخ الكبير (1/390).
[12] ترتيب علل الترمذي الكبير (ص55).
[13] مسنده (4/212، 213).
[14] إنما علقها الدارقطني في علله، قال (7/182): (ورواه حميد الطويل واختلف عنه، فرواه زهير وزياد بن خيثمة عن حميد...)، وأخشى أن كلمة (وزياد) مقحمة في النسخة، وأن الصواب: (زهير أبو خيثمة).
[15] علل ابن أبي حاتم (1/29).
[16] سؤالات البرقاني (32)، وفيه: عن أبي رجاء، عن عمه، عن أبي إدريس، وكذا وقع في نسخته الخطية، وصوابه: عن عمه أبي إدريس، كذلك جاء في نقل ابن عساكر هذا النص -في تاريخ دمشق (66/230، 231)-.
[17] سؤالات البرقاني (13، 16).
[18] مسنده (4/213).
[19] العلل (7/182).
[20] التاريخ الكبير (1/390)، العلل (7/180)، معرفة السنن والآثار (1/277، 278).